أين سلطان العلماء؟!
حينما يكون العالم عينه على الأمة ومقاله من أجل الأمة فيكون سلطانا للعلماء، وحينما يكون العالم عينه على السلطة وخطابه يتلمس رغباتها، فيكون عالما للسلطة.
قال الشيخ العز بن عبد السلام سلطان العلماء: أنادي عليكم وأبيعكم...!
- وفيم تصرف ثمننا؟
- في مصالح المسلمين..
-ومن يقبضه؟
-أنا.
وكان الشرع هو الذي يقول: "أنا"، فتم للشيخ ما أراد، ونادى على الأمراء واحدًا واحدًا، واشتط في ثمنهم، لا يبيع الواحد منهم حتى يبلغ الثمن آخر ما يبلغ؛ وكان كل أمير قد أعد من شيعته جماعة؛ ليشتروه!!!! ...
ودمغ سلطان العلماء الظلم والنفاق والطغيان والتكبر والاستطالة على الناس بهذه الكلمة التي أعلنها الشرع...
... أمراء للبيع! أمراء للبيع.
يقول أمير البيان مصطفى صادق الرافعي في مقالته في وحي القلم:
"أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق وعلماء السوء وكلهم آخذ من نور واحد لا يختلف؟ إن أولئك في أخلاقهم كاللوح من البلور: يُظهر النور نفسه فيه ويظهر حقيقته البلورية، وهؤلاء بأخلاقهم كاللوح من الخشب يظهر النور حقيقته الخشبية لا غير!"، وعالم السوء يفكر في كتب الشريعة وحدها، فيسهل عليه أن يتأول ويحتال ويغير ويبدل ويظهر ويخفي، ولكن العالم الحق يفكر مع كتب الشريعة في صاحب الشريعة فهو معه في كل حالة يسأله ماذا تفعل وماذا تقول؟
نحن يا ولدي مع هؤلاء كالمعنى الذي يصحح معنى آخر، فإذا أمرناهم، فالذي يأمرهم فينا هو الشرع لا الإنسان، وهم قوم يرون لأنفسهم الحق في إسكات الكلمة الصحيحة أو طمسها أو تحريفها، فلا بد أن يقابلوا من العلماء والصالحين بمن يرون لأنفسهم الحق في إنطاق هذه الكلمة وبيانها وتوضيحها؛ فإذا كان ذلك فههنا المعنى بإزاء المعنى، فلا خوف ولا مبالاة ولا شأن للحياة والموت.
وإنما الشر كل الشر أن يتقدم إليهم العالم لحظوظ نفسه ومنافعها، فيكون باطلا مزوَّرا في صورة الحق، وههنا تكون الذات مع الذات، فيخشع الضعف أمام القوة، ويذل الفقر بين يدي الغني، وترجو الحياة لنفسها وتخشى على نفسها، فإذا العالم من السلطان كالخشبة البالية النخرة حاولت أن تقارع السيف!
كلا يا ولدي! إن السلطان والحكام أدوات يجب تعيين عملها قبل إقامتها، فإذا تفككت واحتاجت إلى مسامير دقت فيها المسامير، وإذا انفتق الثوب فمن أين للإبرة أن تسلك بالخيط الذي فيها إذا هي لم تخزه؟
إن العالم الحق كالمسمار؛ إذا أوجد المسمار لذاته دون عمله كفرت به كل خشبة". انتهى الاقتباس. _بتصرف _ كتبه د. سيف الدين عبدالفتاح