[rtl]..... الصفحة الاخيرة[/rtl]
[rtl] خامسا: التذكير ببعض أسباب وجوب عزل الحاكم.[/rtl]
[rtl]* لقد أسهب فقهاء السياسة الشرعية على وجه الخصوص في ذكر الحالات التي تستوجب عزل الحاكم أو خلعه، منها ما يتعلق بصدور الكفر البواح منه أو وقوع الفسق والفجور منه، كل ذلك ليس محل البحث في هذه المقالة، لأن الكثير من طلبة العلم الشرعي يظن أن أحكام العزلة والخلع محصورة في صورتين فقط الكفر أو الفسق، وإزالة لهذا الالتباس سوف نذكر صورا أخرى تستوجب العزل والخلع أغفلها الكثير عن جهل أو تجاهل أو عن عمد لكي لا تسترد الشعوب حقوقها المشروعة وتظل خاضعة للحاكم الطاغية، ولذلك لن نتطرق لصورة العزل بسبب الكفر أو الفسق، وإنما سنتطرق إلى حالات العزل أو الخلع إذا ما لحق ولي الأمر خلل في سلامته العقلية والنفسية والمعنوية والجسدية.[/rtl]
[rtl]1-ما يتعلق بالسلامة العقلية: [/rtl]
[rtl]* لقد أجمعت الأمم والملل والنحل على أن من شروط الحاكم -بغض النظر عن دينه- أن يكون ذا عقل سليم فهو شرط فطري لأنه من لا عقل له يحتاج إلى غيره فكيف توكل إليه أمور غيره؟ فلا تنعقد الولاية لمن فقد عقله كالمجنون والمعتوه، قال الله تعالى "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"النساء5 وهي أصل في الحجر على السفهاء وأصحاب العقول الخفيفة ومنهم بلا شك ولا ريب المجنون والمعتوه والمخبول، إذ مثل هؤلاء قد رفع عنهم القلم بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "رفع القلم عن ثلاث"، ولما كان من أهم أعمال أي حاكم، فضلا على أن يكون مسلما هو البت في الأمور الهامة التي تمس مصالح الأمة نص فقهاء الإسلام على أن يكون الحاكم على مقدار كبير من صحة الرأي والمعرفة بأمور السياسة وإدارة الحروب وحسن التفاوض في أوقات السلم والحرب وأن يكون على كفاءة عالية من إدارة أمور الحكم، ولذلك اشترط العلماء أن يكون عقل الحاكم ورأيه مفضيا إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح العامة على أكمل وجه وأتمه، ولذلك لم يكتفوا بمجرد العقل العادي الذي يتعلق به التكليف من علمه بالمدركات الضرورية حتى يكون صحيح التمييز جيد الفطنة، بعيدا عن السهو والغفلة بل يجب أن يكون عقله فوق ذلك بكثير بحيث يتوصّلُ بفرط عقله وذكائه إلى حلِ ما أشكلَ وفصلِ ما أعضلَ وقراءة مصائر الحوادث والمآلات القريبة والمتوسطة والبعيدة في حياته وآثارها بعد مماته، فإذا أقدم الحاكم المسلم على إرساء أمور سيئة في الأمة وتبقى آثارها بعد مماته، فإن له كفل من الوزر، قال عليه الصلاة والسلام "ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سنَّ القتل" رغم أنه لم يباشره بنفسه بعد مماته، وقد أثبت التاريخ أن ثمة ملوك وحكّام وأمراء أرسوا قنابل موقوتة لم تأخذ في الانفجار إلا بعد مماتهم، مما كان سببا في دمار تلك الدول وجعل الأجيال تلعنهم في قبورهم لِما جنوا على الأمة من كوارث ومصائب جراء سياسات بعيدة عن نِتَاج العقول الحَصيفة البعيدة النظر التي تحسن الموازنة بين المآلات القريبة والمتوسطة والبعيدة وهذا من أخطر الأبواب.[/rtl]
[rtl]* ونظرا لما سبق ذكره، ذكر أهل العلم أن زوال العقل من أسباب وجوب عزل الحاكم فقالوا، إن زوال العقل إما أن يكون عارضا يرجى زواله كالإغماء أو لازما لا يرجى زواله كالجنون والخبل، فإن كان عارضا مرجوا زواله كالإغماء فهو لا يبطل رئاسة الحاكم، فلا يجوز عزله لأنه مرض قليل اللّبث سرعان ما يزول، وإن كان لازما لا يرجى زواله كالجنون والخبل فإما أن يكون مطبقا لا يتخلله إفاقة أو يتخلله إفاقة، فإن كان مطبقا لا يتخلله إفاقة فهذا يبطل عقد الرئاسة لأنه يمنع المقصود منها، ولأن المجنون يجب إقامة الولاية عليه فكيف يُتصور أن يكون هو واليا على الأمة، قال الإمام النووي رحمه الله "فلو جُنّ فبايعوا غيره ثم أفاق لم تعد ولايته لأن مبايعته صحيحة فلا يجوز بأمر يحدث في غيره وأما إن كان يتخلله إفاقة يعود فيها إلى حالة السلامةّ فإما أن يكون أكثر زمانه الخبل أو يكون أكثر زمانه الإفاقة..." وقد قسم الإمام الماوردي زوال العقل إلى:[/rtl]
[rtl]أ- ما يرجى زواله كالإغماء[/rtl]
[rtl]ب- ما لا يرجى زواله كالجنون والخبل[/rtl]
[rtl]"فالأول لا يمنع انعقاد الإمارة ولا يمنع استدامتها لأنه مرض قليل اللبث سريع الزوال، والثاني هو اللازم الذي لا يرجى إزالته كالجنون والخبل وهو على ضربين: [/rtl]
[rtl]أ- أن يكون مطبقا لا تتخلله إفاقة فهذا يمنع انعقاد الإمامة، وإذا طرأ على الإمام بعد تولية منصبه استحق العزل، إذا تحققنا من وجود هذا المرض وقطعنا به فيه. [/rtl]
[rtl]ب-الثاني لا يرجى زواله هو أن لا يكون ذلك المرض ملازما له في كل أوقاته بل تتخلله أوقات إفاقة يعود بها إلى حال سلامته وحينئذ يُنظَر فإن كان زمن المرض أكثر من زمن الإفاقة فهذا كالمرض الدائم يمنع انعقاد الإمامة وإذا طرأ على الإمام بعد انعقاد الإمامة له سليما استحق العزل به" وثمة تفاصيل تتعلق بهذه النقطة نضرب عنها صفحا، ولكننا نقول بأننا في زمان يتّسِم بتسارع الأحداث وتغيرها وتطورها فضلا على كثرة وسائل الاتصال وانتشارها، زيادة على تطور الأسلحة الحربية وعبورها للقارات وتقلبات مصالح الأنظمة بين عشية وضحاها، فقد يصبح العدو صديقا والصديق عدوا فتداهم الشعوب والأمم حوادث طارئة لابد فيها من سرعة البث وأخذ القرار السياسي المناسب حربا أو سلما أو تفاوضا، فكيف يستقيم الحال لرئيس مريض قعيدٍ أصمٍ أبكمٍ يعاني من غيبوبة مزمنة مواكبة الأحداث، فهل من مصلحة الأمة والحالة هذه أن تنتظر إفاقته؟!! وعليه فلا بد أن يكون الحاكم في عصرنا هذا في كامل قدراته العقلية بل أن يكون عقله فوق العقول العادية وأرجح منها وزنا لدفع الضرر عن الأمة إذا صال صائل من الداخل أو الخارج، ومن ذا الذي يستطيع أن يتخذ قرارا سياسيا في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والحاكم يعاني إما من خبل أو جنون أو غيبوبة تعتريه بين حين وآخر، فمثل هذا الحاكم لابد من عزله، فلا يقبل في عصرنا هذا أن توضع مصائر الشعوب ومصالح العباد في يد رجل تنتابه لوثات عقلية أو خرف أو زهايمر أو شرود ذهني أو لا يقوى على التركيز والاستيعاب وحسن التواصل مع من يخاطبه، بل يجب في مثل هذه الحالة - شرعا وعقلا- استصدار حكم بعزله، والتاريخ يحدثنا أن السلطان عبد العزيز 1861-1876 من سلاطين الدولة العثمانية اختل عقله وفقد الشعور بغيره وتصرف على غير دراية من أمره في تسيير شأن الدولة العَليّة، فأصدر العلماء فتوى بحقه جاء فيها "...إذا كان أمير المؤمنين مختل الشعور وليس له إلمام في أمور السياسة وما برح ينفق الأموال الأميرية في مصارفه النفسانية في درجة لا طاقة للملك والملة على تحملها وقد أخل بالأمور الدينية والدنيوية وشوّشها وخرب الملك والملة وكان بقاؤه مضرا بها فيصح خلعه..." ثم تولى السلطان مراد العرش مكانه وكان مريضا بالصرع وسريعا ما اشتد به المرض واختلت أعصابه فاستصدر رجال الدولة فتوى جديدة بخلعه فخُلع لعجزه الظاهر عن تصريف أمور الرعية، وكان باستطاعتهم إخفاء الأمر على الرعية في ذلك الوقت حيث لا إعلام ولا فضائيات ولا وسائل اتصال، فلو فعلوا ذلك لصدقهم الشعب وانطلى مكرهم وحيلهم ودجلهم وكذبهم عليه ومع ذلك لم يفعلوا، أما في زماننا هذا فلا يمكن ذلك، حيث أصبح الإعلام ووسائله المختلفة في متناول الجميع؟!![/rtl]
[rtl]2-ما يتعلق بالسلامة المعنوية: [/rtl]
[rtl]* اشترط أهل العلم في الحاكم أن يكون قادرا على التصرف بكل حرية في جميع الأوقات بحيث لا يملك أحدٌ أن يمنعه من مباشرة تدبير أمور الأمة والقيام بمقاصد الحكم، بعيدا عن الضغوط والإكراه والإجبار وفي حالة العجز عن ممارسة واجباته المنوطة به وجب عزله، ولم يقصّر فقهاء الإسلام في تفصيل حالات العجز والقهر والإجبار والإكراه التي تُفقِد الحاكم قدرته على التصرف الحر، وبينوا ذلك في مصنفاتهم، ونحن نذكر منها على وجه الاختصار ما يلي:[/rtl]
[rtl]حالة القهر بالحجر: تتمثل فيما يلي:[/rtl]
[rtl]- أن يستولي عليه بعض من أعوانه ومحيطه وحاشيته من يستبد بتنفيذ الأمور من غير تظاهر بمعصية ولا مجاهرة بمشاقة وفي هذه الحالة القائم بالأعمال حقيقة هو المستبد بالأمور والمستولي عليها وليس الحاكم الشرعي المنتخب. وهذه العصابة المستبدة تحاول أن تغطي أفعالها بستار من الشرعية فتصدر الأحكام والقرارات باسم الحاكم المحجور عليه، المغلولة يده، المسلوبة إرادته وجمهور الفقهاء في مثل هذه الحالة يرون أن الحاكم لا يعزل بهذا ولكن يُنظَر في أعمال العصابة المستبدة فإن كانت موافقة للشرع وجب إقراره عليها من باب الضرورة كي لا تتعطل مصالح الناس وتفسد أفعالهم أما إذا كانت مخالفة للشرع وجب الضرب على يدها ولا يمكن إقرارها على ما يصدر منها، وصار لزاما على الحاكم أن يطلب النصرة حتى يزول تغلب هذا المتغلب. [/rtl]
[rtl]حالة القهر بالأسر: وتتمثل فيما يلي:[/rtl]
[rtl]أ- أن يقع الحاكم في أسر الأعداء الكفار: ففي هذه الحالة يُنظر في الأمر فإما أن يكون مرجو الخلاص أوميؤوسا منه، فإن كان مرجو الخلاص بقتال أو فداء فهو على رئاسته ويجب على كافة الأمة استنقاذه من أيديهم، وإن كان ميؤوسا من خلاصه بأن غلبَ على الظن عدم خلاصه إلى موته، يكون بذلك قد خرج من الرئاسة وعلى أهل الحل والعقد (الجهات المختصة بلغة العصر) أن يختاروا غيره.[/rtl]
[rtl]ب- أن يؤسر الحاكم من بغاة المسلمين: ففي هذه الحالة يُنظر في أمره وحالته، فإما أن يكون مرجوا خلاصه من أيديهم أو ميؤوسا منه، فإن كان مرجو الخلاص فهو باق على رئاسته ويجب على عامة الشعب نصرته واستنقاذه، وإن كان ميؤوسا من خلاصه فينظر في حال البغاة، فإن لم يكونوا قد اختاروا رئيسا لهم غيره فالرئيس المأسور بين أيديهم على رئاسته لأن بيعته لازمة لهم، وطاعته عليهم واجبة فصار معهم كما لو كان مع أهل العدل حال وقوعه تحت الحجر ممن استبد به من أعوانه، وحينئذ يجب استنابة آخر مكانه ليقوم بتصريف أمور الدولة بصفته نائبا عن الرئيس لا بصفته رئيسا حتى لا تتعرض مصالح الأمة للتعطيل، والرئيس المأسور أحق بحق اختيار من ينوب عنه ما دام قادرا على الاستنابة، فإن لم يقدر عليها فعلى الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد أن تختار هي النائب الذي يقوم بتصريف الأمور إلى غاية خلاص الرئيس من الأسر أو وفاته، فإذا تخلّص الرئيس من الأسر انعزل نائبه وأصبحت أمور الدولة راجعة إليه، وأما إذا عزل الرئيس المأسور نفسه أو مات في الأسر فإن نائبه لا يصير رئيسا للدولة إلا بمبايعة أهل الحل والعقد لأنها نيابة عن موجود فزالت بفقده، وفي حالة نصّب لهم رئيسا يخضعون له، فالرئيس المأسور في أيديهم خارج عن رئاسة الدولة، ومما لا شك فيه أن مبحث أحكام البغاة أمر يحتاج إلى تفصيل، لسنا الآن بصدَدِه ومن أراد التوسع في ذلك فليرجع إلى كتب الفروع في بيان أحكام البغاة والتعامل معهم.[/rtl]
[rtl]* وصفوة القول أن الرئيس ينعزل عن منصبه إذا بطل تصرفه، إما بالقهر وإما بالإكراه أو الحجر أو الاستيلاء، والتاريخ الإسلامي مليء بالأمثلة للملوك وللحكام والأمراء والسلاطين الذين حجر عليهم من طرف المقربين منهم أو المتسلطين من قادة العساكر والجنود حيث كفت أيديهم عن حرية التصرف، وسلبت إرادتهم الحرة، ونحن في هذا المقال نرمي إلى الإرشاد والتنبيه وإلا فبعض الأحكام الفقهية قيلت في زمانها ومكانها لا يصلح أن تنزل على عصرنا لاختلاف الواقع الذي تعيشه الأمم والشعوب فبعضها يحتاج إلى تنقيح وبعضها يحتاج إلى مراجعة وبعضها يحتاج إلى إزالة وبعضها إلى تصحيح، وحسبنا أن نبين للناس عبقرية العقل الإسلامي في معالجة النوازل السياسية المختلفة بدقة متناهية وتفصيل قلّ نظيره. [/rtl]
[rtl]3- ما يتعلق بالسلامة الجسدية: [/rtl]
[rtl]* ويطلق عليها بالكفاءة الجسمية، فقد ذكر فقهاء الأمة أن العجز الجسدي على اختلاف ألوانه وأشكاله من الأمور المؤثرة في ترشح الحاكم وفي استدامة بقائه في المنصب أو عزله منه، ذلك أن العجز الجسدي يؤثر في العمل السياسي ومقاصد الحكم ويمنع من استيفاء الحركة وسرعة النهوض وقسموا الأمراض المؤثرة وغير المؤثرة وفصّلوا القول في كل حالة على حدا.[/rtl]
[rtl]أ- ما لا يمنع من عقد الإمامة ولا استدامتهاـ أي حق الترشح والبقاء في المنصب.[/rtl]
[rtl]ب- ما يمنع من عقد الإمامة -الترشح- ومن استدامتها.[/rtl]
[rtl]ج-ما يمنع من عقد الإمامة والاختلاف في منع استدامتها.[/rtl]
[rtl]د-ما لا يمنع من استدامتها ومنع ابتدائها.[/rtl]
[rtl]والآن إلى ضرب بعض الأمثلة لتتضح الأمور إذ بالمثال يتضح المقال:[/rtl]
[rtl]1- سلامة الأعضاء: فقد قسم الماوردي فقد الأعضاء إلى (04)أربعة لأقسام:[/rtl]
[rtl]- أما ما لا يمنع من صحة عقد الإمامة ولا استدامتها: وما لا يؤثر فقده في رأي ولا عمل ولا نهوض ولا يشين في المنظر كقطع الذكر والأنثيين، فإنهما لا مدخل لهما في الرأي، وليس لهما تأثير إلا في التناسل، فيجري ذلك مجرى العنّة، فقد مدح الله سبحانه وتعالى نبيه يحي بن زكريا عليهما السلام فقال "وسيّدا وحَصُورا ونبيا من الصالحين"آل عمران39، ففي معنى الحَصُور رأيان، أحدهما أنه العنين الذي لا يستطيع إتيان النساء، وهو مروي عن ابن مسعود أو ابن عباس رضي الله عنهم، وثانيهما أنه من لا ذكر له يغشى به النساء أو له ذكر كالنواة وهو مروي عن سعيد بن المسيب رحمه الله، فلما لم يمنع ذلك من النبوة كان عدم منعه الإمامة من باب أولى، ومثل ذلك قطع الأذنين فإنهما لا يؤثران في رأي ولا عمل. [/rtl]
[rtl]- ما يمنع من عقد الإمامة ومن استدامتها: وهو فقد ما له تأثير في العمل كفقد اليدين أو له تأثير في النهوض كفقد الرجلين، فإن ذلك يؤدي إلى عجزه على القيام بحقوق الأمة في العمل والنهوض.[/rtl]
[rtl]- ما يمنع بعض العمل أو بعض النهوض: كفقد إحدى اليدين أو إحدى الرجلين فذلك مانع من عقد الإمامة ابتداءً لأنه عاجز عن كمال التصرف في أمور الأمة، وفيه تفصيل ينظر في محله.[/rtl]
[rtl]- ما لا يمنع فقده من استدامتها: واختلفوا في منعها ابتداءً، وهو ما شان وقبُح ولا أثر له في رأي أو نهوض أو عمل كجدع الأنف أو فقد أحد العينين فقد اتفق أهل العلم على أن ذلك لا يمنع من استدامة الإمامة لأنه لا أثر له في شيء من حقوقها واختلفوا في منع ذلك من عقد الإمامة ابتداءً على رأيين، أنظره في محله. [/rtl]
[rtl]2- سلامة الحواس: ويدخل في سلامة الحواس، سلامة السمع والبصر والنطق والذوق والشم لأن هذه الحواس بها تدرك الأشياء ومعلوم أن الصمم والعمى والهرم يفقد الهيبة في نفوس الرعية وفي عين الأعداء والملوك والرؤساء والأمراء ويجعل الرئيس مجالا للسخرية والاستنقاص والتندر كما فعل رئيس الحكومة مانويل فالس عند نشره صورة الرئيس في حالة تبكي الحجر الأصم، فأصبحنا أضحوكة العالم، وهو أمر لا يلحق الرئيس بنفسه فقط بل يتعداه إلى شعبه، ولذلك قال علماء الفقه السياسي أنه لا تنعقد إمامة الأصم لأن صممه يمنعه من سماع مصالح شعبه، كما أن الصمم يعتبر مانعا من تولي القضاء والشهادة فالإمامة من باب أولى، غير أنهم اختلفوا في طروء ذلك بعد عقد الإمامة، هل يكون ذلك في رئاسته أم لا على ثلاثة مذاهب: [/rtl]
[rtl]أ- وهو أصحها، أنه ينعزل بذلك كانعزاله بالعمى لتأثيره في التدبير والعمل.[/rtl]
[rtl]ب- لا ينعزل لأن الإشارة تقوم مقام السمع والخروج من الرئاسة لا يكون إلا بنقص كامل.[/rtl]
[rtl]ج- يفرق بين ما إذا كان يحسن الكتابة أو لا يحسنها، فإن كان يحسن الكتابة بيده وكانت مفهومة بخلاف الإشارة الموهومة، فالأمر فيه نظر. [/rtl]
[rtl]- أما العمى وفقد البصر، فإنه إذا أصيب به الرئيس بعد توليته بطلت رئاسته، كما تبطل ولاية القضاء وترد به الشهادة وهو ذو تأثير قوي على ولاية الحاكم يمنع من انعقادها ابتداءً ويمنع من استدامتها وخلل البصر له حالات، قال الإمام الغزالي رحمه الله "إذا لم يتمكن الأعمى من تدبير نفسه فكيف يتقلد عهدة العالم؟".[/rtl]
[rtl]-أما النطق، يؤثر في صلاحية تولي المنصب إذ لا يمكن أن يقوم الحاكم بمهام الحكم وهو أخرس لا يقدر على النطق لأن القرارات السياسية والخطابات السياسية ومواجهة النوازل والكوارث والصعاب خير معبر عنها هو الرئيس بنفسه وبعظمة لسانه إبعادا للغموض والالتباس وله حالتان، أن يكون بشكل تمتمة في اللسان فهذا لا يمنع من استدامتها واختلفوا في منعه من عقد الإمامة ابتداءً على قولين:[/rtl]
[rtl]أ- ذهب بعضهم إلى المنع بدعوى أن ذلك نقص يخرج عنه الخليفة عن حال الكمال.[/rtl]
[rtl]ب-وذهب الآخرون إلى أنه لا يمنع من ذلك فهذا نبي الله موسى لم تمنعه عقدة لسانه عن النبوة، فمن باب أولى ينبغي أن لا يُمنع من الإمامة، قال تعالى "واحلل عقدة من لساني"طه27، وقوله تعالى: "وأخي هارون هو أفصح مني لسانا"القصص34. [/rtl]
[rtl]وأما الأخرس، فلا تنعقد إمامته لأن في خرسه تعطيل لمصالح الأمة وثمة تفاصيل تتعلق بسلامة الأعضاء والحواس فلتنظر في كتب الفروع، إذ قصدنا التمثيل والتذكير وليس الترجيح والتفصيل أو فك تعارض ما أشكل. [/rtl]
[rtl]تنبيهات هام: [/rtl]
[rtl]1- ثمة أمور ذكرها فقهاء السياسة الشرعية، تتعلق بسلامة الأعضاء والحواس لا تؤثر في منصب الحاكم منها، ذهاب حاسة الشم وفقدان الذوق الذي يدرك به المطعومات والمشمومات فلا يمنع من عقدها ولا من استدامتها، وأما العَشاء وهو عدم الإبصار ليلا فليس مانعا من عقد الرئاسة له ابتداءً ولا قادحا في استدامتها على خلاف طفيف، أنظره في محله. [/rtl]
[rtl]2- الأمراض العارضة السريعة اللبث لا تمنع من عقد الإمامة ولا من استدامتها، أما الأمراض المزمنة فشأنها شأن حالات العجز لأنها تحول دون تدبير الأمور والقدرة على النهوض بأعباء منصب الحكم وما أكثر الأمراض المزمنة في عصرنا والتي تستوجب العزل للحكام. [/rtl]
[rtl]3- يجب على الحاكم أن يكون متمتعا بالكفاءة النفسية والتي تتمثل في الشجاعة وقوة القلب والثبات عند الشدائد لقوله عليه الصلاة والسلام "أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب"، فالحاكم المسلم لا يهوله إقامة الحدود ولا مقاومة الخصوم ولا جمع الجيوش ولا مقارعة الخطوب، قال ابن خلدون رحمه الله"وأما الكفاية فإنه يكون جريئا على إقامة الحدود واقتحام الحروب، بصيرا بها، كفيلا بحمل الناس عليها، عارفا بالعصبية وأحوال الدهاء، قويا على معاناة السياسة ليصبح له بذلك ما جعل إليه من حماية الدين وجهاد العدو وإقامة الأحكام وتدبير المصالح.[/rtl]
[rtl]4- تطرقت الدساتير الغربية إلى حالات عزل الرئيس أو خلعه أو محاكمته إذا أخل بواجباته الدستورية المنوطة به، كما تكفلت القوانين ببيان حالات عزل الحاكم أو خلعه إذا أصيب بخلل في السلامة الجسدية والعقلية والنفسية والمعنوية والأخلاقية، ولو أخذنا ببعضها لما وصل بوتفليقة إلى الرابعة ناهيك عن الخامسة التي يطبل لها المطبلون ومن الذين يرغبون في الدفاع عن مصالحهم الخاصة غير المشروعة والبقاء في مناصبهم التي وصلوا إليها بالتملق والتزلف والوشاية وشراء الذمم، أما الرئيس المريض مرضا مزمنا فهو مجرد مطية للركوب لا ألأكثر ولا أقل، فعلى من يرغب في معرفة ذلك فليرجع إلى كتب القوم، ولا شك أن من فعل ذلك وعقد مقارنة بين الفقه التشريعي الإسلامي والفقه الدستوري الغربي بمختلف مدارسه سيخلص إلى نتيجة مفادها السبق للعقل التشريعي الإسلامي على العقل الغربي العلماني، ورغم ذلك نقول أن "الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها" والإسلام لا يمنع الاستفادة من الغير في حدود مقاصده ومبادئه وأخلاقه. [/rtl]
[rtl]خطورة احتجاب رئيس الدولة عن شعبه:[/rtl]
[rtl]* من الموضوعات التي تطرق لها فقهاء السياسة الشرعية منذ زمن بعيد بيان مخاطر احتجاب الحاكم عن شعبه، فأوجبوا على الحاكم الظهور للناس على الأقل مرة في الجمعة كما ذهب إليه ابن حزم الأندلسي رحمه الله، وفصّلوا القول في أسباب الاحتجاب، فقد يحتجب الحاكم شغفا بالعبادة، وقد يحتجب لخوف من عدو داخلي أو خارجي وقد يحتجب للهو أو ترفيه وقد يحتجب لمرض نزل به، وقد يحتجب طلبا للعلم أو الاستزادة منه، فلكل حالة حكمها فلتنظر في محلها، وقالوا بكل وضوح أن احتجاب الحاكم عن رعيته يعتبر من كبائر الاثم والفواحش، نصّ على ذلك الإمام النحاس رحمه الله في تنبيه الغافلين والهيثمي رحمه الله في الزواجر، والذهبي رحمه الله في الكبائر، فالاحتجاب ضرب من الفسوق والعصيان.[/rtl]
[rtl]* ووعيد الحاكم المحتجب عن شعبه شر وعيد، قال صلى الله عليه وسلم "من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة" فكان جزاء وفاقا، وقال عليه الصلاة والسلام "ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته ومسكنته" وفي رواية "من ولي من أمر المسلمين شيئا فاحتجب عن أولي الضعف والحاجة احتجب الله عنه يوم القيامة" أي غلق أبواب رحمته عنه لاحتجابه عن رعيته، فيا له من وعيد شديد، والمصيبة الكبرى أن عدوى الاحتجاب توسعت إلى الوزراء والمدراء ورؤساء البلدية والنواب وكبار المسؤولين....الخ، وسلوك مسلك الكذب في التهرّب من قضاء حوائج الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله والاحتجاب هو قمة التّهرُب من المسؤولية، ويروى أن الهرمزان استأذن على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يجد عنده حاجبا ولا بوابا، فقيل له هو في المسجد فأتى المسجد فوجده مستلقيا متوسدا كومة من الحصباء ودرته بين يديه، فقال الهرمزان "عدلت فأمنت فنمت" ولا بأس أن أنقل ما قاله أهل العلم في خطورة احتجاب الحاكم عن رعيته، قال الإمام الأوزاعي رحمه الله "يهلك السلطان بالإعجاب والاحتجاب" وقال الطرطوشي رحمه الله " وأما الاحتجاب فهو أرجى الخلال في هدم السلطان وأسرعها خرابا للدول لأنه إذا احتجب السلطان ساعة فكأنه قد مات، لأن الحجب موت حكمي، فتعبث بطانته بأرواح الخلائق وحريمه وأمواله لأن الظالم قد أمن أن لا يصل المظلوم إلى السلطان..".[/rtl]
[rtl]وأخيرا، هذا ما تيسر تحريره على عجل في بيان بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالسياسة الشرعية والمتعلقة بعزل الحكام أو خلعهم إذا اختللت صحتهم العقلية أو المعنوية أو النفسية أو الجسدية بحيث تعطلت الأعضاء والحواس عن أداء دورها، وليعلم العام والخاص أن في تراثنا الإسلامي نوادر وجواهر وفوائد وقلائد مغفول عنها خليقة بالكشف من جديد وحسن عرضها للمسلمين وللعالمين والله ولي التوفيق. --- انتهى ---[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] أبو عبد الفتاح بن حاج علي[/rtl]
[rtl]
[/rtl]