نور الدين عبد الكريم يكتب: إنه بوتين مرشد أهل السنة والجماعةالإثنين 05 سبتمبر 2016 15:00 مكة المكرمة |
نور الدين عبد الكريم*
يدّعي ألبير كرغانوف مفتي موسكو أن الحكومة الروسية، وعلماء المسلمين، قد وقفوا صفاً واحداً للدفاع عن الدين والمسلمين، ولهذا تم عقد مؤتمر علماء المسلمين في الشيشان تحت عنوان: "من هم أهل السنة والجماعة؟" لتحديد الفرَق والمذاهب الإسلامية التي تتبع منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من بعده، ولإقصاء من شذ وانحرف منها عن هذا المنهج.
مؤتمر فرقة لا وحدة
من عجائب ما بعد القرن العشرين أن نرى بوتين الشيوعي، ينظم مؤتمرا إسلامياً للدفاع عن السنة، في نفس الوقت الذي تدك فيه طائراته مدن وقرى المسلمين السنة في أرض سوريا، ويُسيل دمائهم ويزهق أرواحهم، بعد أن أخذ مباركة هذه الحرب من الكنيسة الأرثوذكسية في بلاده. فتأمل وتعجب يا رعاك الله.
الذي لا يخفى على أي عين متبصرة أن هذا مؤتمر يهدف إلى إيجاد شرخ جديد في الأمة. ولا يهدف إلى وحدة صفها، ولا إلى لملمة آرائها وتوحيدها على كلمة سواء. فبعد أن استفادت كل قوى الأرض، المعادية للإسلام، من ثمار غرس الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة، وتحويل خلافهم العقائدي إلى خلاف دموي تفجرت منه أنهار الدم، ونتج عنه دخول المنطقة في تعقيد لا نعرف زمان ولا كيفية الخروج منه؛ يأتي الدور الآن إلى فتنة جديدة بين الأشاعرة والسلفية، ويبدو أن ثمة أمر قد أعد بليل، ولعلنا نرى ما هو أسوأ مما مضى، إن رأينا دولاً وحكومات تتبنى وتفرض طرح هذا المؤتمر على شعوبها.
والحق يقال أن اللوم لا يقع على من يخطط ويتآمر على هذه الأمة، فالبحث عن مصادر القوة وتوسعة نفوذ السيطرة ديدن الشعوب والحكومات، ولو وجد الظالم من يردعه لما تمكن من إيقاع ظلمه. بل اللوم أولاً وآخِراً على أبناء هذه الأمة الذين مازالوا ينجرون خلف هذه الخلافات، ويذكون نارها، ويتركون أبوابها مشرعة يلج فيها المتآمر، ويضيع فيها الباحث عن الحق والحقيقة.
ترف فكري
فهذا الخلاف العقائدي قديم وعائد إلى العصور الأولى من تاريخ الأمة الإسلامية، وإبقاؤه متجدداً ومتشعباً دليل على أننا "غثاء كغثاء السيل"، تتقاذفنا الأمواج ولا حول ولا قوة لنا. فمن يدرس هذا الخلاف دراسة تاريخية معمقة قد يجد أن كل مسألة خلافية ظهرت لظرف سياسي، أو اجتماعي، أو ديني، يتناسب مع تلك المرحلة. لكن من الغريب أن تنتقل هذه الخلافات والمجادلات جيلاً عن جيل حتى بعد زوال هذه الظروف التي تسببت بظهورها. وهذا تقصيرٌ من علماء الأمة وأهل الرأي فيها.
وهنا أستشهد بكلام البروفيسور إبراهيم زين، أستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، حيث قال إن ظهور فرقة المعتزلة كان نتيجة حتمية لتغير الظروف وتطورها في تلك الحقبة من تاريخ الأمة الإسلامية، فبعد توسع رقعة الدولة الإسلامية، وانتشار المسلمين في المشارق والمغارب، اختلط المسلمون بشعوب مختلفة، كالفرس والروم، وبدياناتهم كالبوذية والمسيحية واليهودية، وهو ما أوجد أفكاراً وثقافات جديدة عليهم، وبالأخص بعد ترجمة الكتب الهندية واليونانية والفارسية، وما تحتويه من أفكار كلامية وفلسفية دخيلة على المجتمع المسلم.
فكان ثمة حاجة لظهور آراء كلامية تتصدى لها، ولهذا ظهر المعتزلة، وقد وفقوا في ذلك في بداية أمرهم، إلا أنهم انحرفوا عن منهجهم في الدفاع عن الإسلام، وبدأوا بالظهور بأفكار وعقائد مخالفة للدين الإسلامي. وهذا ما جعل أبو الحسن الأشعري، يعارض فكر المعتزلة بعد أن كان أحدهم، فشرع في الرد عليهم، ومن هنا ظهرتالمدرسة الأشعرية.
الدفاع عن الدين الإسلامي السليم ضد الشبه التي كانت موجودة في ذلك الزمان، هو ما أظهر فرقة المعتزلة، إلا أن انغماسهم في مقالاتهم الفلسفية هو ما تسبب في انحرافهم ومخالفتهم العقيدة السليمة، وما انغماسهم هذا إلا لوصولهم حالة من "الترف الفكري" الذي يقلب الأمر على صاحبه. وللأسف نفس الترف الفكري هو ما يجعل علماءنا ينجرون إلى إعادة وإحياء هذا الجدل القديم العقيم في زماننا، وفي وقت لسنا بحاجة إلى طرحه.
فمن القضايا التي لازالت تطرح حتى اليوم مثلاً مسألة "مرتكب الكبيرة" هل هو خالد مخلد في النار، وبالتالي هل يعتبر خارجاً من الدين؟ أم أن ارتكابه لهذه الكبيرة لا يخرجه من الدين؟، فهذه المسألة ظهرت بعد الخلاف السياسي والاقتتال الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم، وما تبعه من خلاف على الحكم، فكان القول بالتكفير يعطي العذر للخوارج بقتل مخالفيهم من المسلمين. وهنا ظهر من يرد عليهم، ويبطل حكمهم كالمرجئة، والمعتزلة (واصل بن عطاء).
ما الفائدة العملية والدينية؟
فتحريم ارتكاب الكبيرة هو ما أخذه وفهمه الصحابة عن رسول الله دون الخوض في التفاصيل الغيبية، وما كان سبب ظهور هذا الخلاف إلا المصلحة السياسية التي انتفع بها الخوارج، فما الداعي إذاً لإعادة طرحها اليوم؟!
كثيرة هي مسائل العقيدة الخلافية التي يجر "الترف الفكري" المسلمين إلى الخوض فيها، دون أن تعود بالنفع والفائدة علينا عملياً ودينياً. فلو عرف المسلم دينه، وعبد ربه، وأطاع نبيه، وأدى فرائضه، وزاد عليها السنن، فما حاجته بعد ذلك إلى الخوض في مسائل غيبية كمسألة إمكانية رؤية الله سبحانه وتعالى مباشرة يوم القيامة، ومسألة خلق القرآن، ومسائل صفات الله، واستوائه على العرش، وغير ذلك من المسائل التي تسببت في الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة والسلفية.
قد يرد البعض بأن يقول أن هذه المسائل من ثوابت الدين، ويجب على المسلم أن يكون على بينة منها حتى تسلم عقيدته. ولكني ما زلت أجهل حتى اللحظة الخلل الذي سيصيب عقيدة أحدنا إن ترك كل هذه الأمور إلى يوم القيامة، أو أخذ رأياً فيها , ولكنه تجاهل الجدال والنقاش سلامة لدينه ومجمتعه، ومحافظة على وحدة أمته!!
فارموا هذه الخلافات جانباً، واقطعوا الطريق على بوتين وحلفه، وطراطيرهم.
_____________
*كاتب أردني وباحث بالجامعة الإسلامية بماليزيا
المصدر: الجزيرة مباشر