العقل في السنة
وردت كلمة العقل في السنة عشراتِ المرات، وقد حاولت تتبُّع ما ورد في كتب السنة عن طريق الحاسوب، لكلمة (عقل) فقط دون اشتقاقها، فوجدت العشرات، وأنا هنا أذكر بعضًا منها:
1- في صحيح البخاري (رقم 293، 1369):
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطرٍ إلى المصلى، فمرَّ على النساء، فقال: ((يا معشر النساء، تصدَّقْنَ، فإني أُرِيتُكنَّ أكثر أهل النار))، فقُلْن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تُكثِرْنَ اللعن وتَكفُرْن العَشِيرَ، ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أذهبَ للبِّ الرجل الحازم من إحداكُنَّ))، قلن: وما نُقصان دينِنا وعقلِنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟))، قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تَصُمْ؟))، قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان دينها)).
2- في صحيح مسلم في المقدمة:
عن أبي عقيل صاحب بُهَيَّةَ أن أبناءً لعبدالله بن عمر سألوه عن شيء لم يكن عنده فيه علم، فقال له يحيى بن سعيد: والله إني لأُعظِمُ أن يكون مثلُك - وأنت ابن إمامي الهدى؛ يعني عمر وابن عمر - تُسأَلُ عن أمرٍ ليس عندك فيه علم، فقال: أعظمُ من ذلك والله عند الله، وعند مَن عقل عن الله، أن أقولَ بغير علم، أو أُخبِر عن غير ثقة.
3- في سنن الترمذي (رقم 2787):
عن جابر بن عبدالله الأنصاري - رضي الله عنه - قال: "خرج علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال: ((إني رأيتُ في المنام كأنَّ جبريلَ عند رأسي وميكائيلَ عند رِجْلي، يقول أحدهما لصاحبِه: اضرِبْ له مثلاً، فقال: اسمَعْ سمِعَتْ أذنُك واعقِل عقَل قلبُك، إنما مَثَلُك ومَثَلُ أمَّتِك كمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخذ دارًا ثم بنى فيها بيتًا ثم جعل فيها مائدة ثم بعَث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم مَن أجاب الرسول ومنهم مَن تركه، فالله هو المَلِكُ، والدار الإسلام، والبيت الجنَّة، وأنت يا محمد رسولٌ، فمَن أجابك دخل الإسلام، ومَن دخل الإسلام دخل الجنة، ومَن دخل الجنة أكل ما فيها)).
4- في سنن النسائي (رقم 3270):
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءت سَهْلةُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن سالمًا يدخُلُ علينا وقد عقَل ما يعقِلُ الرجال، وعلِم ما يعلَمُ الرجال، قال: ((أرضِعِيه تَحرُمي عليه بذلك))، فمكثتُ حولاً لا أحدِّث به، ولقيت القاسم، فقال: حدِّثْ به، ولا تهابه".
5- في سنن أبي داود (رقم 3395):
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُعلِّمهم من الفزع كلماتٍ: ((أعوذُ بكلمات الله التامَّة، من غضبه وشر عباده، ومن همزاتِ الشياطين وأن يحضرونِ))، وكان عبدالله بن عمرٍو يُعلِّمُهن مَن عقَل من بَنِيه، ومَن لم يعقِلْ كتَبه فأَعْلَقه عليه.
6- في سنن ابن ماجه (رقم 4208):
عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا عقلَ كالتدبير، ولا ورع كالكفِّ، ولا حَسَب كحُسن الخُلق)).
7 - في مسند أحمد (رقم 2257):
في الحديث في مسند بني هاشم: وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - إنما عقَل من أمرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخرَه".
وفي مسند أحمد أيضًا (رقم 23283):
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الدنيا دار مَن لا دار له، ومال مَن لا مال له، ولها يجمَعُ مَن لا عقل له)).
هذا مما ورد في السنة بلفظ العقل الصريح، أما ما ورد بلفظ البصر، والقلب، والفقه، والفكر، واللب، فهو كثير جدًّا، وكل هذه الألفاظ - فضلاً عن العقل بلفظه الصريح - تؤكِّد أن العقل قوَّة الإدراك والفهم والفقه والتفكير السليم، وكل هذه المعاني العظيمة ذكرها ابن تيمية - رحمه الله - خلال دراسته للعقل الإنساني، وخلال دراسته في العقيدة، والفقه، والسلوك، والأخلاق، والشريعة الإسلامية بعامة.
خلاصة القول في ماهية العقل:
ونخلص - هنا ومما سبق من مقالات تتحدث عن ماهية العقل - إلى أن العقل لُغَويًّا ونفسيًّا قوةٌ في الإنسان الناطق، وهو أساس الفهم والإدراك، وهو ليس جوهرًا قائمًا بنفسه كما يقول أرسطو (ومَن تتلمذ عليه من الفلاسفة المسلمين)، وما قاله أرسطو من تعدُّد العقول هو أوهام لا حقيقة لها، ويؤكد هذه الحقيقة جميع العلماء المسلمين الذين سبقوا ابن تيمية؛ مثل الحارث المحاسبي، والغزالي، والجويني، ويأتي ابن تيمية ليدرسَ العقل دراسة علمية دقيقة، ويبيِّن صلته بالنقل، وينقد المنطق الأرسطي، وهذا ما نبسطه في المقالات الآتية - بإذن الله.
كتبه /د. فهمي قطب الدين النجار
نقله للقائدة / انقاذي