قل للجزائر الحبيبة هل يخطر ببالك من لم تغيبي قط عن باله? وهل طاف بك طائف السلو، وشغلك مانع الجمع وموجب الخلو، عن مشغول بهواك، عن سواك? إنه يعتقد أن في كل جزيرة قطعة من الحسن، وفيك الحسن جميعه، لذلك كن مفردات وكنت جمعا، فإذا قالوا: ( الجزائر الخالدات ) رجعنا فيك إلى توحيد الصفة وقنا: (الجزائر الخالدة ) ، وليس بمستنكر أن تجمع الجزائر كلها في واحدة.
لن أنسى -يا أم- أنك كنت لي ماخطة الغرس، وماشطة العرس، فلا تنسي أني كنت لك من عهد التمائم، إلى عهد العمائم، ما شغلت عنك إلا بك، ولا خرجت منك إلى عائدا إليك، لا تنسي أنني مازلت ألقى الأذى فيك لذيذا، والعذاب في سبيلك عذبا، والنصب في خدمتك راحة، والعقوق في بعض بنيك برا، والحياة في العمل لك سعادة، والموت في سبيلك شهادة، ولا تنسي أنني عشت غيظا لعداك وشجى في حلوقهم، وكدرا لصفوفهم، وأني مازلت أقارع الغاصبين لحقك في ميدان، وأكافح العابثين بحرماتك في ميدان، وأعلم الغافلين من أبنائك في ميدان، ثلاثة ميادين، استكفيتني فيها فكفيت، ورميت بي في جوانبها فأبليت، ولا منة لي يا أم عليك، وإنما هي حقوق أوجبتها شرائع البر، قام بها الكرام، وخاس بعدها اللئام.
خطت الأقدار في صفيحتي أن أفتح عيني عليك وأنت موثقة، فهل في غيب الأقدار أن أغمض عيني فيك وأنت مطلقة? وكتبت الأقدار علي أن لا أملك من أرضك شبرا، فهل تكتب لي أن أحوز في ثراك قبرا?
من مقال (( تحية غائب كالآيب ))
نقلا عن كتاب عيون البصائر
للشيخ محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -
أم خالد