حدثونا عن العدل فإننا نسيناه
.... وكيف لا تنسى العدل أمة لبثت في ظلمات الظلم أحقابا، وعقبت في ظل يحمومه أعقابا! أم كيف تذكره بعد أن محت آيته آية السيف، فلم تنعم منه بإلمامه الطيف ?
وكيف يجد العدل مجالا بين حاكم لا يسأل عما يفعل، وبين محكوم يسأل عما لم يفعل ? وكيف يجد العدل سبيلا إلى نفوس زرع فيها الإستعمار _ أول ما زرع _ بذرة احتقار المسلم الجزائري، ثم رباها _ أول ما ربى _ على الإستعلاء على المسلم الجزائري، ثم علمها _ أول ما علم _ هضيمة المسلم الجزائري، وتجريده من أسباب القوة والحياة بكل وسيلة، وتريضه على الذل حتى يطمئن إليه، ويعتقد أنه كذلك خلق، أو لذلك خلق، فإذا سلب ماله عد سلامته من الضرب غنيمة، وإذا ضرب جسمه عد نجاته من ضرب العنق منحة كريمة، وإذا تأوه للألم النفسي أو البدني عد التأوه منه جريمة!
إن الإحتقار هو الأساس الخلقي الذي وضع عليه الإستعمار قواعده، وبنى عليه قوانينه، وإن ملكة الإحتقار هي الغاية في العالم الإستعماري، وينهى إليها عامه، وحاكمه، ومشرعه، ومنفذه، ولكنه بعد أن تراءى العيانان، عيان الفاعل، وعيان القابل، لم يجد فينا قابلية الإحتقار، أباها لنا عرق في الإباء أصيل، وارث من (( محمد )) أثيل، فانقلب ذلك الإحتقار على مر الزمن حقدا يصهر الجوانح، وتحول بفعل الأحداث بغضا يأكل الأكباد، وكل ما يراه الرائى، ويسمعه السامع من البلاء النازل علينا فذلك مصدره، وهذا مورده.
يالله... لما يحمل هذا الجسم المثخن بالجراح من حصانة ومناعة، ولما يمكن فيه من دفاع ومقاومة، هي آثار الخصائص الأصيلة في الجنس العربي، ولو لاها لكان من الغابرين، وهي بقايا المزايا السامية من الدين المحمدي، ولو لاها لختم به التاريخ طسم وجديس وعاد الأولى، ولو أن ما حل بهذه الأمة حل أيسره بأمة أخرى _ لانعكست فيها نظرية (( داورين )).
نقلا عن: عيون البصائر.
أختكم أم خالد.