الحركات الإسلامية ومراجعات ما بعد الفشل
رغم كل ما قيل عن المؤمرات التي حيكت بمهارة فائقة بالتعاون بين الداخل والخارج من أجل إفشال تجربة الحركةالإسلامية في قيادة ثورات الشعوب العربية ( وهي حقائق بدون شك)، إلا أنها لا تعفي عموم الإسلاميين من تحمل مسؤولية الفشل، مهما حاول البعض تجاوز هذه الحقيقة بحجج مختلفة، أو طمرها بدعوى أن ما حدث جزءا من بلاء دائم ومستدام كتب علىالحركة الإسلامية أن يستمر معها ويلازمها!! هذا الفشل يستوجب إجراء حركة مراجعات ضخمة داخل الحركة ليس من أجل خلع ملابسها قطعة قطعة كما يريد العلمانيون، بل لتصويب وتصحيح مسيرتها ، كما أنها تتجاوز الصخب الدائر حول ثنائية الدعوي والحزبي والفصل بينهما ، لتصل إلى البنية الفكرية التي حكمت رؤى الإسلاميين على مدار عقود مضت. فعلى مستوى الأفكار ( وهي أساس الحركة وعماد أية رؤية ) لم تكن بنية الحركة الإسلامية الفكرية مؤهلة لقيادة الثورة التي تعني تغييراً جذرياً يطيح بكل صور الاستبداد والفساد سعياً إلى خلق أوضاع أكثر طهارة ونقاء وتعبيرا عن الإرادة الشعبية. فإذا ما تجاوزنا محاولات الجماعة الإسلامية للثورة مبكراً على نظام مبارك والتي بدأت منذ عام 1987 الذي شهد أول تمديد لرئاسة مبارك. وكانت الجماعة الإسلامية آنذاك تقف وحيدة وهي ترفع شعار "لا لمبارك" إذ انتهزت بقية الأطياف الفرصة لتهرول مبايعة له، فالمعسكر السلفي كان أغلبه مشغولاً بالتنظير لأفكار طاعة "ولي الأمر" وإن جلد الظهر وأخذ المال !! وبدا مستسلماً تماماً لكل أنظمة الحكم السلطوية المستبدة، بل ومهاجماً لفكرة الديمقراطية ودخول المجالس النيابية حتى أنهم اعتبروا أن " الإخوان يدفعون ثمنـًا باهظـًا للدخول في لعبة "الديمقراطية"، وهي غير إسلامية في الأصل مما اضطرهم إلى تنازلات .." ثم تفاجأنا بتصالح عجيب بين هذا الطيف من المعسكر السلفي والديمقراطية دون أي تمهيد أو مقدمات! وعلى الجهة الأخرى كان المعسكر الإخواني مقتنعاً أن دوره هو القيام بعملية "إصلاح " من داخل النظام نفسه وأن عليه أن يبتعد عن أي منغصات مع النظام، متأثراً في ذلك بالشدة الناصرية وما جرته على الجماعة من بلاء؛ وبناء عليه فقد باتت نظرته سلبية تجاه أي دعوى للثورة على ذلك النظام. ففي شهادته على تلك الفترة يقول المهندس محيي عيسى أحد القيادات السابقة بالجماعة وعضو مجلس الشعب عام 1987: " جاء شهر يوليو 1987 ثقيلا على نفسى لانه سيتم ترشيح مجلس الشعب للرئيس حسنى مبارك لولاية ثانية حسب الدستور وعلينا نحن نواب الإخوان أن نصوت على هذا الترشيح، وقد جلس معنا مكتب الإرشاد وفوض الحاج مصطفى مشهور للحديث معنا حول معنى الالتزام بالجماعة وقرارتها، وأنها اتخذت قرارا للصالح العام ولصالح الجماعة والدعوة بالتصويت بنعم لترشيح حسنى مبارك، وطلبت الكلمة من الحاج مصطفى وبينت له أننا لا يمكن أن نعطى النظام شيكا على بياض وأن النظام فى هذا الوقت يمارس القمع والقتل ضد أبناء الجماعة الإسلامية وهم إخواننا وأن النظام يمارس الظلم والفساد وإننى لا أستطيع أن أقابل الله بتصويت نعم لحاكم ظالم، وتبع كلمتى كلمات من مختار نوح وحسن الحسينى بنفس المعنى .. ثم تحدث المستشار مامون الهضيبى وهو من تبنى أمر التصويت بنعم فكرر كلام الحاج مصطفى ثم خصنى بتعليق وقال ( الأخ محيى يقول عن جماعات تمارس العنف إنهم إخواننا لا أريد أن أسمع هذه الكلمة لأنهم ليسوا إخواننا بل هم بغاة خوارج) فتعجبت أيضا وعلمت أن النقاش ليس له فائدة مع هذه العقول". انتهت شهادة محيي عيسى، وتبقى الملاحظة الأهم وهي وصف مأمون الهضيبي">الهضيبي –رحمه الله – للجماعة الإسلامية بأنهم بغاة خوارج رغم أنه في تلك الفترة لم يكن ثمة صدام مسلح بين الجماعة ونظام مبارك، ولم تفعل الجماعة سوى أنها رفعت شعار "لا لمبارك"، وكان أفرادها عرضة للتصفية الجسدية كما حدث مع شعبان راشد الذي اغتيل عام 86 في أسيوط. ومع سيادة تلك الأفكار وتمكنها داخل بنية الحركة الإسلامية فاجأت ثورة يناير 2011 الجميع فكان من الطبيعي أن يحدث الخلل الذي رأيناه ، فكيف يمكن قيادة ثورة كبيرة ضمَّنها الشعب آماله وطموحاته بذات الأفكار والأدبيات التصالحية مع النظام الذي ثار عليه الشعب ؟! الخلل الفكري الذي عاناه الإسلاميون على مدار عقود في تعاملهم مع الحكام وأنظمة الاستبداد ، لم يكن معبراً صادقاً عن الإسلام الذي لم يكن يوماً ما في خدمة الاستبداد بل ثورة علي ، ورسالة تحرير للإنسان من قهر الإنسان ومن استعباد الأحبار والكهان واستبداد القياصرة والأكاسرة . لهذا فإن الحركة الإسلامية أحوج ما تكون إلى ثورة فكرية تنسف مفاهيم الخطاب السياسى المؤول والمبدل الذي ساد لعقود، وتعمل على إحياء مفاهيم الخطاب السياسى الشرعى المنزل كحق الأمة فى اختيار حكامها عن طريق الشورى والرضا وحقها فى مراقبة السلطة ومحاسبتها، وحقها فى خلعها عند انحرافها ، وحقها فى المراقبة على ثرواتها وأموالها وحماية أوطانها ومصالحها ، وحقها فى تحقيق العدل الاجتماعى والمساواة والحرية ... إلخ .
وفي موازاة ذلك عليها أن تمتلك الشجاعة لتتبرأ أمام الأجيال الحالية والقادمة من أخطاء رموز وقيادات كالتي أشار إليها محيي عيسى في شهادته .
_________________________
*باحث مصري في الحركات الاسلامية المصدر: الجزيرة مباشر منقول للاثراء والمناقشة