نجل مهندس اجتماع سانت إيجيديو أحمد السليماني لـ"الحدث الجزائري"نزار و العماري وضعا زروال في ورطة
يستعد الدكتور مولاي أحمد السليماني ، أستاذ تاريخ الحضارات القديمة بجامعة الجزائر 3 لنشر مذكرات والده الشيخ حسين السليماني مهندس اجتماع المعارضة في سانت إيجيديو العام 1995 ، الذي قاد وساطات بين السلطة و قادة جبهة الانقاذ المحلة و بين الجيش و قادة الجيش الإسلامي للإنقاذ زمن حكم الرئيس اليامين زروال . في هذا الحوار يعود إلى أسباب فشل الحوار الوطني بالأمس و اليوم في ظل وضع متشنج بين السلطة و المعارضة على مقربة من مشاورات التعديل الدستوري.
................................................................................................................................................................................................................................................................بوتفليقة اتصل بوالدي لاستكمال مساعي الحوار مع جبهة الإنقاذ
يعّد الدكتور مولاي أحمد السليماني نجل الشيخ حسين السليماني ، مهندس اجتماع سانت إيجيديو بإيطاليا الذي لعب دورا هاما في الفترة ما بين (1991- 1995) من خلال الوساطة التي قام بها بين السلطة و قادة الفيس في أحرج مرحلة سياسية شهدتها الجزائر . ما الذي تحقق من مساعى الوالد رحمه الله بعد مرور أزيد من 20 سنة ؟
أعتقد أن ما قام به والدي الشيخ الحسين السليماني أنه حاول جاهدا وقف إراقة الدماء الجزائرية وقد وجد آدانا صاغية وأخرى كانت لا تريد الحوار و وقف العنف وهم المعروفون بالإستئصاليين ، ولكن هناك من تبنى مساعي الوالد السلمية لاحقا في الجزائر وحتى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة واصل مساعي السلام والحوار واتصل بوالدي عندما أصبح رئيسا للجمهورية ولكن الوعكة الصحية التي أصابت والدي حالت دون إمكانية مواصلة الحوار بسبب توجهّه إلى المملكة العربية السعودية للعلاج لكن الحوار الدي تم فيما بعد لم يدرج عودة الفيس للحياة السياسية وأقصد عهد بوتفليقة على خلفية وجود جناح في السلطة آنذاك رفض هذه العودة رغم أن بوتفليقة صرح من وهرا ن في بداية عهدته أنه مع مشروع سانت إيجيديو.
ظل والدكم يدافع عن عودة الفيس للساحة بل ألحّ خلال الاجتماع مع الرئيس الأسبق اليامين زروال على ضرورة الإفراج عن شيوخ الانقاذ وإلغاء قرار حل جبهة الإنقاذ ؟ كيف كان الاجتماع و كيف استقبل زروال الطلب ؟
كان اليامين زروال مخلصا مع قادة الفيس في إيجاد حل للأزمة الجزائرية والدليل على على ذلك إطلاق سراح شيوخ الإنقاد عباسي مدني وعلي بلحاج من السجن العسكري بالبليدة . لكن المعضلة أن الشيخين اللذين وضعا في إقامة رئاسية وهي جنان المفتي وقد تشرفت بزيارتهما مع والدي رحمه الله ، رفضا عرضا من زروال لوقف إراقة الدماء ، كان ما يجري بمثابة حرب أهلية ، و رفض الشيخان تحرير طلب وقف العنف باتجاه المعتصمين بالجبال الحاملين للسلاح ضد الدولة الجزائرية و اشترطا مقابل ذلك إطلاق سراحهما أولا ، فلم يقبل اليامين زروال فوقعت أزمة ثقة بين الطرفين أعقبتها حوادث جانبية أدت إلى اتساع الهوة و عودة الشيخان إلى سجن البليدة العسكري حيث أتمّا 12 سنة سجنا وأطلق سراحهما فيما بعد في عهد الرئيس بوتفليقة.
السلطة دفعت بالمستضعفين إلى الشارع للتنديد بعقد روما
لم تقبل السلطة بأرضية اجتماع "سانت إيجيديو" بل دفعت في جانفي 1995 إلى خروج الجزائريين إلى الشارع للتنديد بلقاء عقد روما و حمل لافتات مكتوب عليها " لا لسانت إيجيديو" و لقد اعتبرتم الأمر مضحكا لماذا ؟
نعم لأن مبادرة سانت إيجيديو كانت ذات طابع سلمي محض فاستغربت أن يكون رد فعل السلطة تجاهها يومئذ إخراج الجماهير من المستضعفين والزوالية إلى الشارع ، وأنا لا أعتبر ذلك مهزلة ولكن شيء غريب فيه نوع من الفلكلورية وتطويع الزوالية المغلوب على أمرهم ، كان الأمر مضحكا بالفعل
تطالب المعارضة اليوم بالتغيير و أنشأت أقطابا متفرقة لإحداث الانتقال الديمقراطي ، و ترفض التعاطي مع السلطة و تدير الظهر لها .ما وجه الشبه بين ما يحدث الآن بين المعارضة و السلطة و ما حدث بالأمس في سانت إيجيديو ؟ هل نحن أمام سانت إيجيدو ثانية ؟
مبادرة سانت إيجيديو طرحت كبديل للحرب الأهلية وكانت تنشد السلام و مطالب المعارضة الجزائرية اليوم لها مطالب ذات صبغة ديموقراطية تنشد إحترام التداول على السلطة والبديل المنشود لدى التنسيقية هو وضع حد للإتكال على الريع البترولي والعزوف على الإعتماد على المجهود الوطني والبشري للخروج من التخلف . فإذا قارنا الجزائر مع المغرب أو تونس أوإثيوبيا مثلا نجد أن إقتصاد تلك البلدان عرف قفزة نوعية في مجال السياح والفلاحة والتصنيع بينما بلدنا لا يصدّر خارج المحروقات إلا القليل . لقد زار المغرب في السنة الماضية 10 ملايين سائح وزار تونس 6 ملايين سائح ويوجد في تونس أكثر من 3600 مؤسسة فرنسية تستثمر في الصناعة النسيجية وغيرها وفي المغرب هناك مؤسسة " إيرباص" التي تصنّع قطع الغيار للطيران ، أما نحن فبسبب الإنغلاق السياسي والإقتصادي فمستوى المعيشة في تدهور مع العلم أن إثيوبيا تعرف تطور كبير و الخطوط الجوية الأثيوبية كان لها مدخول وأرباح تقدر 10 ملايير دولار في العام الحالي حسب ما أوردته مجلة جون أفريك ، ولهدا أعتقد أن النظام لابد أن ينفتح على العالم الغربي وأن يصبح قبلة للسواح لأن لنا إمكانيات ضخمة غير مستغلة .
اتهمت الأصوات المحسوبة على المعارضة ممن دعت قوى خارجية إلى حماية الانتقال الديمقراطي في الجزائر بالدعوة إلى التدخل الاجنبي و هي نفس التهمة التي ألصقت بالمشاركين في عقد روما ( البحث عن حل في الخارج و حوار على الطريقة الإيطالية كما روّج له النظام القائم يومئذ )
لا أعتقد ان لقاء سانت إيجيديو الذي عقد في روما كان مؤتمرا من صنع الخارج لأن نادي سانت إيجيديو لم يفرض شروطا أم يقدم إملاءات على المؤتمرين بل الغيرة الجزائرية الموجودة عند أقطاب المعارضة الجزائرية هي من جعلتهم يرفضون بقاء الوضع على حاله مما جعلهم يقبلون عرض لقاء روما الذي كان له أبلغ الأثر في تقديم البديل من أجل الخروج من الورطة التي وضعهم فيها أصحاب الحل والعقد يومئذ عقب توقيف المسار الإنتخابي ووضع الأبرياء في معتقلات الصحراء وجرى وقوع مجازر رهيبة ، كلّ هذا من أجل الحيلولة دون وصول الفيس إلى السلطة السياسية و مقاليد الحكم ، لقد أطلقت الدعاية الإستئصالية يومئذ حملة دعائية ضد الإسلاميين لاعلاقة لها بالواقع المعيش ولكن لايمكن تزييف الحقائق إلى الأبد فالتاريخ لايرحم !
نزار و العماري وضعا اليامين زروال في ورطة
يجري الحديث عن احتمال ذهاب بوتفليقة نحو إقرار عفو شامل ، و معروف أن والدكم الشيخ حسين السليماني قام بوساطة بين الجيش و الجماعات المسلحة بالنزول من الجبال مقابل الحصول على ضمانات وتنازلات والاندماج في المجتمع ، كيف نظر الوالد رحمه الله إلى مرحلة ما بعد التفاوض هل كان راضيا عمّا تحقق ؟ خاصة و ان لقاءات جمعته مع اليامين زروال ؟
في الحقيقة أن والدي رحمه الله إستاء استياء كبيرا عندما وصل الحوار في النهاية إلى طريق مسدود والسبب في دلك أن بعض ضباط الجيش مثل الجنرالين خالد نزار و العماري كانا من المعارضين للحل السياسي ما وضع اليامين زروال في ورطة جعلته غير قادر على المضي في الحوار بعيدا مع قادة الفيس وقد أدرك والدي هذه الحقيقة المرة لاسيما في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس زروال مع العلم أن الأخير كانت نيته حسنة في الحوار .و لولا المعرقلون للوساطة التي قام بها والدي ومساعيه الحميدة لجرى نوع من المصالحة المفيدة لجميع الأطراف. ولا ننسى موقف علي هارون وسيدي أحمد غزالي الدي كان في البداية يلعب على الحبلين ثم بسبب تحول مراكز القوى في كفة خصوم الحوار أصبح معاديا للفيس بسرعة 200 كلم في الساعة ، أما أحمد بن بلة وآيت أحمد وعلي يحيى عبد النور فبقوا مدافعين عن جبهة إلإنقاذ حتى النهاية وإلى اليوم وكذلك لويزة حنون غير أن الأخيرة غيّرت في الآونة الأخيرة من لهجتها حيال الحوار الوطني ولا أدري لماذا هل هو تكتيك أم إستراتيجية مقصودة ؟
بلخير و بتشين و اسماعيل العماري كانت نواياهم طيبة تجاه الحوار
قلتم و انتم تتحدثون عن فترة تولي والدكم مساعي الوساطة بين الجماعات المسلحة و الجيش من جهة و قيادات الفيس المحل و السلطة من جهة ثانية أن الجزائر سيطرت عليها " قوّة خفية " عرقلت مساعي الإصلاح بين " السلطة " و" الفيس " ؟ من كنت تقصد ؟ و هل " القوة الخفية " هي نفسها التي تقف اليوم وراء منع نشطاء الحزب المحل من العودة إلى الساحة السياسية ؟
القوى الخفية أشرت إليها وهي خالد نزار و الجنرال العماري والعربي بلخير لكن الأخير كانت له لقاءات مع والدي ولا يمكن أن نعتبره معاديا كليا للحوار لأنه كان هناك تفاهم بين والدي والعربي بلخير أثناء زياراته المتتالية لبيته بالأبيار ولعب دورا في تبليغ مساعي والدي السلمية لضباط الجيش الوطني الشعبي وقد أخبرني والدي أن السيد العربي بلخير كان متفهما لأبعاد الحوار ووجد والدي أيضا تفهما لدى الجنرال إسماعيل العماري الذي كانت تجمعه بوالدي لقاءات عديدة مثمرة حول مساعي الحوار ونفس المنظور وجده والدي لدى الجنرال بتشين الدي كان مسؤولا عن المخابرات ومستشار الرئيس في عهد اليامين زروال وكان يلتقي بوالدي مرارا ويبدو حسب ما ذكره والدي أن الجنرال بتشين كان جد متحمس من مساعي والدي السلمية وهذا ما جعله يبقي علاقات قائمة مع والدي حتى تقديم إستقالة اليامين زروال من سدة الحكم ويأسف كثيرا لذلك لأنها جاءت بسبب ضغوط خصوم الحوار الوطني. ولكن الذين كانوا في سلطة القرار إبان عهد الرئيس زروال ليسوا أنفسهم الموجودون اليوم في سدة الحكم ، فقد تغيرت الوجوه و الإستراتيجية السياسية والسيد أويحيى كان في سدة الحكم والذي إكتشفه هو اليامين زروال ولكن لم يكن في نفس المستوى السياسي الذي أصبح عليه في عهد الرئيس بوتفليقة حيث أصبح له وزنه في سلطة القرار لاسيما و أنه تربى في رئاسة الجمهورية مند عهد الرئيس الراحل هواري بومدين الدي يّكن له إعجاب وتقدير وقناعة سياسية بالمفاهيم الإشتراكية على الطريقة المصرية في عهد عبد الناصر التي لها إيجابيات وسلبيات مثلما هو الأمر في المفهوم البعثي للإشتراكية ولاسيما أيديولوجية الزعيم الروحي للبعثية ميشيل عفلق القائد المؤسس لحزب البعث العربي الإشتراكي ، على كل حال فالرئيس بوتفليقة يعتبر من القوميين العرب يمثل التوجه القومي مثلما كان معمر القدافي و وحافظ الأسد و المهدي بن بركة في المغرب وعلال الفاسي ومصالي الحاج وشكيب أرسلان من لبنان وغيرهم والرئيس بوتفليقة يمثل التيار الوحدوي في المغرب العربي مع الغنوشي والرئيس منصف المرزوقي في تونس والرئيس الصحراوي محمد بن عبد العزيز أيضا من القوميين العرب
من تراه يملك الأهلية الفكرية و السياسية لقيادة وساطة ثانية بين السلطة و قادة الفيس الراغبين في العودة إلى العمل السياسي؟ و قد قاد والدكم جزءا من هذه المهمة زمن التسعينيات ضمن ما كان يعرف بلجنة " إصلاح ذات البين" بين السلطة الجزائرية والجبهة الإسلامية للإنقاذ ؟
أعتقد أن الجبهة الإسلامية للإنقاد لها سلطة تنفيدية منها القادة كمال قمازي وبو خمخم وعلي بلحاج والزعيم المؤسس عباسي مدني و مزراق وبن عائشة وآخرون يضيق المقام عن ذكرهم جميعا ولاننسى أيضا الهاشمي سحنوني ومراني أيضا و هؤلاء يعتبرون بمثابة سلطة القرار في الإنقاذ.
بلقايد دفع ثمن انخراطه في " لجنة إصلاح ذات البين"
من بين أهم الشخصيات التي حضرت في لقاءات " لجنة إصلاح ذات البين " بين السلطة و الفيس محمد الصالح يحياوي و عبد العزيز بلخادم والجنرال المتقاعد الهاشمي هجرس و الراحل أبو بكر بلقايد الذي تقول أنه جرى اغتياله في ظروف غامضة . هل تعتقد ان اغتياله له علاقة بانخراطه في رأب الصدع بين الفرقاء ؟
المرحوم أبو بكر بلقايد جرى إغتياله لأنه وافق مع قاصدي مرباح الإنخراط أو قل الإندماج في مسعى رأب الصدع فكان مصيره الاغتيال على يد خصوم الحوا الذي كان يقوم به الوالد . وللتذكير فقط فإن السفير الأمريكي والسفير الفرنسي طلبا مقابلة والدي لكنه رفض ذلك من باب عدم تدويل الخلاف الداخلي وقد أسر لي بذلك وهذا ما سأذكره في مذكراتي التي أكتبها اليوم حول ما عشته من أحداث سياسية وحوار السلطة مع الوالد وأشياء أخرى يضيق المقام عن ذكرها الآن.
كيف تقرأون الوضع السياسي الراهن ؟ هل نحن أمام انسداد غير مسبوق بين السلطة و المعارضة ؟ و هل هي معارضة فعلية ؟ و هل هي قادرة على قيادة المرحلة المقبلة دون سفك للدماء ؟ و أي دور سيكون للجيش مستقبلا ؟
أعتقد أنه لامفر من الحوار بين السلطة والمعارضة للخروج من المأزق الذي تتخبط فيه البلاد ولابد من جلوس الجميع حول مائدة واحدة للحوار لأن بلادنا جميلة وما نراه يوميا في داخل المدن الجزائرية من إنعدام نظافة المحيط والتسيّب والحقرة وعدم وجود فن الحدائق في المدن الجزائرية ولاسيما في مدن الشمال يدّل على أن الدولة ضعيفة والمنتخبون لايمثلون الشعب علاوة على فوضى العمران وإنتشار الرشوة والإعتماد على الريع البترولي ، هذا غير مقبول إطلاقا ، فالصادرات خارج المحروقات هزيلة جدا لأن النظام منغلق إقتصاديا والتمسك بالقاعدة ( 49-51 % ) لايخدم الطفرة الإقتصادية المنشودة ويجب أن نحرر الاقتصاد مع إستثناء نسبة 49-51 في مجال البترول والغاز أي التنقيب على البترول.