قوم كرام السجايا حيثما جلسوا يبقى المكان على آثارهم عطرا .إن علماءنا رحمهم الله كانوا شامة على جبين الدهر، أزهرت تضحياتهم ثمارا طيبة، وكان ما بذلوه من جهد وجهاد نورا نهتدي به في ظلمات الليالي الحالكة ، فكانوا بحق نورا يعكس لنا نور القرآن، جمعت بينهم العقيدة السلفية قبل أن تجمعهم المجالس والجمعيات، واجتمعت أرواحهم قبا اجتماع أجسامهم، تآزروا على نصرة الحق وإيقاظ الأمة من سباتها ، وتكاتفوا من أجل أن يحيى شعبهم حرا عزيزا، ومن هؤلاء الأعلام المصلحين الشيخ أبو القاسم بن حلوش المستغانمي وهو واحد من علماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذين نحسب أن لهم علينا حقوقا ، محاولين بهذه التراجم تأدية بعض حقوقهم علينا......... اسمه ومولده:هو العالم العامل والشيخ السني والفقيه السلفي أبو القاسم بن أحمد بن حلوش المستغانمي، ولد بمستغانم سنة 1877م، في عائلة محافظة.نشأته وتعلمه:حفظ القرآن الكريم بزاويتهم التي أنشئت خصيصا لذلك ولما يبلغ سن الثانية عشر من عمره،وبعدها تلقى مبادئ العلوم كالفقه والنحو بحي تجديت بمستغانم وأخذ عن شيوخ وعلماء مستغانم فحصل على علم وافر ،وكان من رفاق دربه، كل من الشيوخ : عبد القادر بن قارة مصطفى الذي سيصبح فيما بعد مفتيا لمستغانم، وكذا الشيخ محمد مرزوقة، والشيخ عبد الرحمن أبو حجر الحسني، فاجتهدوا في طلب العلم وحصلوا علما جما.....وبعد أن أصبح مؤهلا لنشر العلم وذلك بشهادة شيوخه من العلماء، انتصب للتدريس والإرشاد في حي تجديت بمسجد سيدي عبد الإله أو ما يعرف بمسجد ابن حلوش، فكان يدرس السيرة النبوية ومختصر خليل وغيرها من الكتب العلمية،[rtl]سلفية الشيخ: كان الشيخ سلفي العقيدة وسني المشرب والمنهج معلنا الحرب على الطرقية والبدع والخرافات التي كانت السبب في بقاء فرنسا أكثر من قرن في بلادنا، وذلك كان محبا لإخوانه العلماء السنيين ، ومن شدة تأثره ومحبته لهم بعث بابنه مصطفى إلى قسنطينة ليدرس على يد الشيخ ابن باديس رحمه الله، وكان الشيخ ابن حلوش من المدافعين على السنة والمحاربين للبدعة ، فلقي جراء ذلك من الأذى ما لقي،يقول محمد الحسن فضلاء : «واشتهر الشيخ أبو القاسم بن حلوش بلقب العالم المتفتِّح، والمصلح السَّلفيّ فحفظه الله من الغرق في مستنقع الشعوذة والدجل والبدع، كما غرق فيه أترابه ولِدَاتُهُ، ولم يقف موقفًا سلبيًّا بإِزائهم، بل كان يُجاهرُ بالحق، ويُحارب البدع والخرافات، وقد لحقته من الطرقيين وأنصارِهِم، ومن أهل البدع وأشياعهم إذايات مختلفة، ولكنَّهُ ظلَّ صامدًا على فكرته الإصلاحيَّة السَّلفيَّة، فما وهن لما أصابهُ في سبيل الله وما ضعف وما استكان»اهـ.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
الشيخ بن حلوش وجمعية العلماء المسلمين: كان رحمه الله من الأعضاء المؤسسين للجمعية، وعضوا في مجلس إدارتها، ولما أنشئت الشعب بالولايات كان رئيس شعبة مستغانم، ولما كبر في السن اعتذر عن حضور مجالس الجمعية ، وجعل ابنه الشيخ مصطفى في مكانه، ولذلك لما كان المؤتمر السنوي للجمعية سنة1356هـ ــ1937م، وشكلت الإدارة الجديدة كان من بين الأعضاء المستشارين ابنه مصطفى بن حلوش، وجاء في تقرير المؤتمر ثم اعتذر (الرئيس ابن باديس) عن تخلف الشيخ بلقاسم بن حلوش ( عن التحاقه بالجمعية) لكبر سنه...) ا.هـوفاته : توفي رحمه الله سنة 1949،[rtl]وقد أبنه رئيس جمعية العلماء الشيخ البشير الإبراهيمي في جريدة البصائر بقوله : («مَوْتُ عَالِمٍ سَلَفِيٍّ مُصْلِحٍ هُوَ الشّيخ أبو القاسم بن حْلُوشْ»: [/rtl]
[rtl]«بلغني في أثناء الأسبوع الماضي-وأنا على فراش المرض- خبر بموت العالم العامل المصلح الشيخ أبي القاسم بن حلوش، العضو الإداري السابق بجمعية العلماء، ووالد ولدنا الروحي الأديب الكاتب الشيخ مصطفى بن حلوش، بداره من ربض «تاجديت» بمستغانم.[/rtl]
[rtl]أَسِفْتُ لموت الشيخ أبي القاسم أعظم مما آسفُ لفقد قريب، لأنه هذه الطائفة الإصلاحية التي كان الشيخ أبو القاسم أحد أفرادها إنما تتقارب على المشارب، لا على المناسب، وتتصاحب بالأرواح لا بالأبدان. والشيخ أبو القاسم-رحمه الله- مصلح بطبعه وتربيته، خُلِقَ في منبع من منابع البدع، وفتح عينيه عليها، فأنكرتها فطرته السليمة، وتربيته القويمة من أول أمره، ونشأ على نفور منها وازدراء لأهلها. ولقي منهم تجريحا وأذى، ولقوا منه تسفيها وإنكارًا، وكان كل ذلك مزيدًا في رفعة شانه. طلب العلم على فئة من الفقهاء المدارين المجارين للعامة في أهوائها، فأخذ ما صلح من علمهم، وهجر ما قبح من أعمالهم، ووحَّدَ الله وعبده بما شرع، على الوجه الذي شرع، وابتنى لنفسه مسجدًا من ماله بسوق «تاجديت» يصلي فيه بأتباعه في السيرة ويلقي عليهم دروسا في الوعظ والإرشاد، وفيه بدأ ينشر الإصلاح العملي فنبذ البدع اللاصقة بالعبادات، ولم يزل متطلعا إلى العلم الصحيح يطلع بدْرُه، متشوفا إلى الحق الصريح يَتَبَلَّجُ فجرُه، إلى أن ظهرت بواكير الحركة الإصلاحية العلمية في دروس الأستاذ الرئيس الشيخ عبد الحميد بن باديس، فجهز ولده الشيخ مصطفى حلوش لتلك الدروس ليستدرك بأحد أولاده ما فاته في نفسه، وأقرَّ اللهُ عينه ببلوغ مرامه. فكان من ذلك الولد للإصلاح ما يكون من جنديّ من جنوده المخلصين. فشارك بقلمه ولسانه في جميع الميادين.[/rtl]
[rtl]عاش الشيخ أبو القاسم بعد ذلك على سَمْتِ الصالحين، يتنعَّم بما يرى من انتصار الحق وأتباعه، وانْدِحار الباطل وأشياعه، إلى أن وافته منِيَّتُهُ راضيا مرضيا. فرحمه الله وأثابه جزاء إيمانه واستقامته. وأنا عن نفسي وعن جمعية العلماء ومؤسساتها أتقدم بالتعزية إلى ولدنا الشيخ مصطفى حلوش وإخوانه وأهل بيته، وإلى جميع أفراد الأسرة بـ«مستغانم» و«سَبْدُو» مشاركًا لهم في الحزن، حاثا لهم على الصبر، راجيا لفقيدهم الرحمة»اهـ.31 ـ01 ـ1949م.[/rtl]
[rtl]كما نشرت «البصائر»، في عددها(67)، تحت عنوان: «رِزْءٌ جَسِيمٌ»، مكاتبةً عن جنازة الفقيد، حرَّرها الشيخ: «أحمد الشريف السنوسي الأطرش» جاء فيها: «ذلك هو يوم انطفأ به مصباح الأمة المستغانمية وأفل فيه نجم ثرياها، وغار في ثراها، ألا وهو الشيخ أبو القاسم بن حلوش والد صديقنا العزيز الأستاذ مصطفى. قطعت أنفاسه وزهقت الروح إلى بارئها فجر الجمعة21ربيع الأول [1368هـ]...»الخ.[/rtl]
[rtl]من مواقفه رحمه الله:[/rtl]
[rtl]ـــــــ نصرته للسنة ومحاربته للبدعة: وسننقل وثيقة تبين لنا مدى ما كان يعانيه الشيخ مع طرقية بلده، ويعكس لنا الصورة التي تبين لنا تأثير الشيخ في الناس وأنه كان داعية للسنة حربا على البدع في بلدة استفحل فيها الدجل، وهذه مراسلة إلى جريدة «البصائر»، بإمضاء مُسْتَتِر تحت اسم: «مسلم»، نُشرت في[العدد(25)، 6ربيع الثاني1355هـ/26جوان1936م، (ص:7)] تحت عنوان: «مراسلات: فتنة عليوية يعضدها مفتي مستغانم»، قال: «أكتب لكم هذه الكلمات وعيناي تذرفان الدمع دماء وقلبي يتحرق حزنا وألما، لما أصاب الحق والدين يوم الأحد 7جوان من هذه السنة[1936م]. توفي المرحوم السيد الحبيب بن زازة وكان موعد تشييع جنازته بعد ظهر اليوم المذكور ولما حضر الناس للتشييع خرج عليهم أحد أولاد المتوفى هو السيد محمد ونادى بأعلى صوته: أيها الناس إن جنازة والدي رحمه الله ستشيع على مقتضى سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسنة السلف الصالح التي هي الصمت التام للتفكر والاعتبار فساعدوني على إحياء هذه السنة يرحمكم الله![/rtl]
[rtl]وما سمع هذا النداء أعداء السنة والنظام وأنصار البدعة والهمجية، حتى ثار ثائرهم وانبعث أشقاهم أحمد أخو محمد المذكور وقال لأخيه «لا تشيع جنازة والدنا إلا بعادة آبائنا وأجدادنا» فتصلب محمد وتشدد فقابل أحمد شدة أخيه وصلابته بالاعتداء عليه بالضرب فرد عليه محمد بالمثل. وكان الشيخ بلقاسم بن حلوش هناك فدفعته شهامته للتدخل بين الأخوين للحجز بينهما فأصابته ضربة خفيفة عن قصد أو غير قصد من يد نصير البدعة أحمد.[/rtl]
[rtl]أما الشيخ بلقاسم فقد رجع لبيته ولم يشهد الجنازة وأما العليويون فقد كانوا ينتظرون متى يقومون بوظيفهم الذي يشبه تماما وظيف «العدّادات» في المآتم و«المدّاحات» في الأفراح.[/rtl]
[rtl]وقد علم الناس أن هذه الفتنة مدبرة منهم (العليويين) وتأكدوا بعد أن وصلت الجنازة للمصلى إذ قدموا للصلاة عليها شخصا يرضونه ممن يعيشون على الموت والقراءة على القبور فعارضهم نصير السنة السيد محمد ابن الفقيد قائلا أنا ولي الجنازة أقدم للصلاة عليها من أرضاه لا من ترضونه ولا أرضاه! ودفع مقدمهم عن الجنازة وهنا عظمت الفتنة إذ ثارت ثائرتهم فانهالوا على محمد يضربونه حتى أدموه وحتى أغمي عليه من شدة المقاومة وكان المبتدعون يضربون ويصيحون: موتوا على لا إله إلا الله! «الله أكبر! كلمة حق أريد بها باطل والتاريخ يعيد نفسه! » ومن المؤسف المحزن أنهم استعانوا عليه ببعض أقاربه وبعض بني عمه ولو كانوا رجالا لما تركوا ابن عمهم لأيدي الظالمين تناله بالضرب والإهانة![/rtl]
[rtl]ولم يقتصر اعتداء المبتدعين على نصير السنة محمد بل اعتدوا على كل من تدخل لإطفاء الفتنة وتهدئة النفوس الثائرة. وقد بلغني من مصدر وثيق أن العليويين اجتمعوا وقالوا لئن فشلنا هذه المرة كالمرات السابقة فسيذهب رقصنا وخلوتنا وإنشادنا قصائد الشيخ خلف الجنائز وجميع بدعنا ومناكرنا ضحية هذا التيار الإصلاحي الجارف الذي يستمد قوته من القرآن ومن السنة والذي نبه الأمة و«فَيَّقْهَا بنا» فقطعت عنا الزيارة وهجرت الخلوة! ثم أقسموا بالله جهد أيمانهم-حنثت يمينهم- ليقاومن كل جنازة تشيع بالصمت....وفي مساء ذلك اليوم جاء السيد محمد السَّلفيّ لبيت الشيخ بلقاسم يبكي ويشكو ما أصابه من المبتدعين ويقسم بأنه لا يألو- إن شاء الله - في نصر السنة وإحيائها ما دام فيه عرق ينبض فشجَّعَهُ الشيخُ وذَكَّرَهُ بما أصاب سيِّدَ الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم) من جهلة قومه ولما علم بنو عمه بوجوده عند الشيخ انتهزوا الفرصة وجاءوا بأخيه مستسمحًا معتذرًا بأنه لم يفعل ما فعل إلا بوسواس الشياطين وتغرير الدجالين وطلب المسامحة من أخيه ومن الشيخ. ........) ا.هـ [/rtl]
[rtl]فرحم الله الشيخ وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.......[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]المراجع: ـــــ موقع مصابيح العلم.[/rtl]
[rtl] ـــــــ مستغانم وأحوازها لعبد القادر بن عيسى .[/rtl]
أخوكم العرباوي