نص الرسالة التي بعث بها الشيخ عبد القادر بوخمخم إلى أويحي بعد دعوته للمشاركة في المشاورات المتعلة بالتعديل الدستوري :
بسم الله الرحمن الرحيم
عبد القادر بوخمخم الجزائر في:29 رجب 1453هـ
حيّ 600 مسكن عمارة ج مدخل 2 رقم5 الموافق لـ:29 ماي 2014مـ
الحمّامات -الجزائر
إلى السيّد وزير الدولة مدير الديوان: أحمد أويحي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
قال الله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان".
أمّا بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد تسلّمت بكلّ اهتمام وتقدير دعوة الرئاسة الرسميّة بتاريخ 15/05/2014 للإدلاء برأيي بشأن مسودّة التعديلات الدستوريّة المزمع إدراجها في الدستور التوافقيّ الجديد بصفتي شخصيّة وطنيّة. وحيث إن الموضوع بالغ الأهميّة والخطورة أرى لزاماً عليّ بيان جملة من النقاط الهامّة عملاً بقول الرسول -صلى الله عليه وسلّم-: "الدين النصيحة..." وبقول الفاروق عمر -رضي الله عنه-: "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها"
1. لقد استغربت أن توجّه لي الدعوة بصفتي شخصيّة وطنيّة فقط لا كقياديّ مؤسّس للجبهة الإسلاميّة للإنقاذ. كما أنّ هذه الدعوة تأتي وأنا ممنوع تعسّفاً من ممارسة حقوقي السياسيّة والمدنيّة، واستفحل هذا المنع بالمادة 26 الجائرة من قانون السلم والمصالحة في الوقت الذي يراد فيه دسترة السلم والمصالحة ضمن ثوابت الأمّة ! هذا بالإضافة إلى أنّني مازلت تحت الرقابة القضائيّة بسبب مشاركتي في مسيرة نصرة غزّة في جانفي 2009.
2. بحكم أنّني من المجاهدين الذين رفعوا السلاح في وجه الاستعمار الفرنسيّ وأبلغ من العمر 74سنة فإنّي أدرك جيّداً أنّ أزمة النظام الجزائريّ في جوهرها أزمة شرعيّة منذ الاستقلال في 1962. وتعمّقت هذه الأزمة وتعدّدت أبعادها بعد انقلاب 11جانفي 1992 ومصادرة اختيار الشعب بقوّة الحديد والنار واستباحة أعراض وأموال وأرواح أبناء الشعب الجزائريّ بغير وجه حقّ، مما جرّ على البلاد ويلات ما زالت آثارها ماثلة إلى يوم الناس هذا. وهذا الذي يدعوني إلى القول إنّه ما لم تعالج جذور الأزمة السياسيّة معالجة عميقة وصادقة فمن العبث محاولة القفز عليها بحلول ترقيعيّة لا طائل من ورائها. وهذا ما نادت به قيادة الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ وهي حبيسة الزنازين بالسجن العسكريّ بالبليدة، كما قرّرت – يومها- مقاطعة المحاكمة العسكريّة الجائرة بحكم أنّ الأزمة سياسيّة يجب أن تُحل سياسيّا وأنّ القضاء العسكريّ استثنائيّ وليس مؤهّلاً لمحاكمة شخصيّات سياسيّة مدنيّة.
3. لقد ضرب النظام السياسيّ بكلّ المبادرات السياسيّة عرض الحائط وفرض الأمر الواقع بالقوّة. ويضيق المقام عن إحصاء جميع المبادرات السياسيّة التي تقدّم بها عقلاء الأمّة من شخصيّات تاريخيّة ووطنيّة وسياسيّة وحزبيّة ودعويّة وفكريّة وإعلاميّة. وكانت جميع تلك المبادرات تدعو إلى الحلّ السياسيّ وتشجب الحلّ الأمنيّ القمعيّ. وأهمّ تلك المبادرات مبادرة العقد الوطنيّ في 13 جانفي 1995 التي شاركت فيها جميع التيّارات السياسيّة الوطنيّة على اختلاف توجّهاتها الفكريّة والسياسيّة، وكانت سابقة في تاريخ البلاد. غير أنّ النظام السياسيّ المتعنّت رفضها جملة وتفصيلاً ووصم الموقّعين عليها بشتّى النعوت الظالمة والاتّهامات الباطلة إلى حدّ اتّهامهم بالخيانة العظمى.
4. لقد طرحت الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ جملة من المبادرات السياسيّة منذ اعتقال قيادتها التاريخية في 30 جوان 1991، حيث أصرّت على أنّ الأزمة الجزائريّة أزمة سياسيّة في عمقها. وممّا زاد تفاقم الأزمة إقدام السلطة الانقلابيّة على اعتقال القائد الشابّ المرحوم عبد القادر حشانيّ في 22 جانفي 1992 إثر إصداره بياناً ينصح فيه قادة المؤسّسة العسكريّة بعدم الخروج عن الصلاحيات الدستوريّة. وتوالت المبادرات السياسيّة واللقاءات والاتّصالات داخل السجن وخارجه دون أن ترقى إلى مستوى الحوار الجادّ. ومن أهمّ تلك المبادرات مبادرة الشيوخ السبعة في 18 جوان 1995 ومبادرة الشيخ عبّاسيّ مدنيّ في 15 جانفي 2004 ومبادرة الشيخ عليّ بن حاجّ السياسيّة التي وجّهت إلى رئاسة الجمهوريّة في 1 جويلية 2007. والحاصل أن جميع تلك المبادرات ضرب بها عرض الحائط وتمّ إجهاضها من طرف النظام بطريقته الخاصّة في الإكراه والإملاء، ممّا فوّت على الشعب الجزائريّ فرص الخروج من الأزمة بحلّ سياسيّ شامل وعادل.
5. إنّ مناقشة مسودّة التعديلات الدستوريّة تجري في ظلّ أوضاع بالغة السوء بعد انتخابات رئاسيّة قاطعها أغلب الشعب الجزائريّ ممّا أفقدها المشروعيّة والتمثيل الشعبيّ، وفي ظلّ برلمان فاقد للتمثيل الشعبيّ كذلك. هذا فضلاً عن الاحتجاجات السياسيّة والاجتماعيّة المتصاعدة عبر مختلف الولايات، وعن محيط إقليميّ ملتهب لا يُعرف حجم تطوراته وآثاره في المستقبل القريب والبعيد، وعن محيط دوليّ شديد الغليان والتوتّر. فمن الخطأ إلهاء الشعب بتعديل بعض موادّ الدستور وصرف الأنظار عن أزمة الشرعيّة التي تولّدت عنها سائر الأزمات. إذ الواجب من وجهة نظري في ظلّ ما سبق ذكره أنّ تعديل الدستور لا يمكن إلّا أن يكون تتويجاً لوفاق وطنيّ جامع.
6. لقد اطّلعت على التعديلات الدستوريّة المقترحة ووقفت على ما فيها من نقائص وعيوب أمتنع عن الخوض في مناقشتها. ولا يخفى عليكم أنّني أحد قادة الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ وقد صدر عنها بتاريخ 31 مارس 2014 بيان أوضح أنّ:
الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ يتمثّل موقفها في الدعوة إلى تنظيم مرحلة انتقاليّة حقيقيّة تشارك فيها جميع الفعاليات السياسيّة والاجتماعيّة المعتمدة والمحظورة بما في ذلك الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ وبمشاركة السلطة. وأهمّ معالمها:
أ- وضع دستور توافقيّ من طرف هيئة تأسيسيّة.
ب- إعادة الكلمة للشعب الجزائريّ لاختيار ممثّليه والمشاريع المعروضة عليه بكلّ حرّية وسيادة دون إقصاء أو وصاية.
ج- عدم القفز على الحلّ الشامل والعادل للأزمة الأمّ الناجمة عن مصادرة اختيار الشعب في 1992.
ونظراً لما سبق ذكره أعلن بكلّ وضوح وصراحة عن مقاطعتي لمشاورات مناقشة مسودّة تعديل الدستور برئاسة الجمهورية، وأتمسّك بالبديل الذي خلص إليه قادة وإطارات الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ المذكور أعلاه.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
ولكم منّي جزيل الشكر وفائق التحية والاحترام.
الإمضاء:
عبد القادر بوخمخم