أعراس الشيطان
كنا نفهم أن الشيطان يطوف ما يطوف ثم يأوي إلى قلوب أوليائه، لينفث فيها الشر، ويزين لها وعصية الله، ويحركها إلى الفساد والمنكر، ويذكرها بسننه المنسية لتتوب إليه من إهمالها وإضاعتها، وما كنا نعلم أن للشيطان مرابع خاصة لا يبرحها في فصلين من السنة، ومعضمها في (( العمالة الوهرانية)) ، وما ذلك لطيب في هوائها، أو عذوبة في مائها، واعتدال في جوها، فالشيطان غني عن هذا كله، ولا يعبأ بهذا كله، وإنما ذلك للذة يجدها الشيطان في هواها... وسهولة انقياد يجدها في أوليائه، وقابلية للسويل والتزيين قلما يجدها في غيرهم من رعاياه، وصدق الله العظيم، فإن الشياطين لا تنزل إلا على كل أفاك أثيم.
والشيطان حقيقة روحية، لا تدرك بالحواس، ولا تعرف بالحدود، ولا تقاس بالموازين البشري، وإنما نعرفه بأثاره في أوليائه، من القابلية للشر والفساد، والاستجابة للمنكر والباطل، والتهور في الفسوق والعصيان، والمسارعة إلى المساخط، والعكوف على الضلال، وسرعة التلقي لوحي الشيطان وتلبيسه، والمحادة لله ورسوله فيما أمرا به ونهيا عنه.
ويجتمع في مجموع صفاته أنه درب مفتن متمرس بسلائل آدم، خالي الذع من الهم إلا بهم، من يوم قال: (( فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين )) ، فهو يتفنن في تزيين الفواحش لهم، ويعرضها عليهم مزركشة ذات تهاويل، ويضع الأسماء على غير مسمياتها، ليغر بالزكرشة ويغري بالاسم، فيضع للأغرار من أتباعه اسم الدين على ما ينقض الدين ويهدمه، واسم الخير على ما يمحو الخير ويعدمه، ويوحي إلى أوليائه بالفواحش مغيرة العناوين، فيأتونها مبتدرين، ويجترحونها مخلصين، كما يأتي المؤمن القانت فرض ربه، ويستقبل أمره.
ولكن يبدو لنا أن الشيطان المكلف بالعمالة الوهرانية بليد القريحة، جامد الفكر، خامد الذوق، حافي الطبع، كثيف الحس، خشن المس، بدوي النزعة، وحشي الغريزة، فكل ما يأمر به أولياءه وأتباعه فهو من جنس طبعه، سمج غث خال من الجمال والفن والذوق، وعهدنا أعماله فنية الأسلوب فاتنة المظهر، والفتنة هي سلاح الشيطان الأحد، يكسو بها أعماله فيصبي بها الحاماء ، ويستنزل النساك، إلى مواطن الفتاك، أما هذه الأعمال التي نشاهدها من أولياء الشيطان في عمالة وهران فهي سخيفة باردة حيوانية وحشية.
نقلا عن: عيون البصائر لمحمد البشير الإبراهيمي
أختكم أم خالد.