---بسم الله الرحمن الرحيم---
خمسون عاما مضت على استشهاد سيد.. ولكن لا يكاد يكون له بواكٍ.. ولا كلمات وفاء؛ فقد كثرت عليه السكاكين، وتناوشته سهام المتنطعين وأنصاف المثقفين، وعلماء السلاطين، وأتت على فكره ومواقفه غيوم سوداء، وحملات تحريض وشيطنة، حتى تمّ حصر صورته بشكل مُزوَّر في شخصية تكفيرية متطرفة منغلقة.
إن معظم من كتب عن سيد قطب ناقدا أو متهما ركز في كثير من الأحيان على سيد وفكره من خلال مقاطع مجتزأة أو من خلال ما كتبه آخرون.. إن هؤلاء الذين ركزوا على بعض الجوانب “الملتبسة” في كتابات سيد، وغضوا النظر عن أدبياته الرائعة ونصوصه الإبداعية والتجديدية وروحه الثورية ومواقفه التي دفع حياته ثمنا لها.. هؤلاء ظلموا سيد، وشاركوا في وضع حاجز نفسي بين الناس وبين سيّد، ولم يخدموا بذلك سوى أنظمة الفساد والاستبداد وتيارات التغريب وأتباع “أذناب البقر”.
نعم، لسيد أخطاؤه كغيره من البشر، فلتتم معرفتها، وليتم نقد أفكاره وأدائه كغيره من المفكرين والمصلحين والسياسيين، فلا حرج ولا عيب.. فكفى المرء نبلا أن تعدُّ معايبه، أما أن يتم تشويه الشخص وشيطنته وإلغاء دوره.. فلا.
***
إن طه حسين الذي كان يوما مسؤولا عن سيد قطب في وزارة المعارف قال في اللقاء التكريمي الذي أشرنا إليه أعلاه “إن في سيد خصلتين هما المثالية والعناد”، وبعد أن تحدث عن أثر سيد في ثورة يوليو 1952 ورجالها ختم كلمته بالقول “إن سيد قطب انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة؛ وكذلك في خدمة مصر والعروبة والإسلام”. ربما كانت ” المثالية والعناد” وصفا دقيقا لسيد، غير أنه مع التزامه الإسلامي، كان معدنه الأصيل يعكس صفات “التقوى والصبر والجرأة في الحق”؛ وهي أبرز صفات المصلحين وقادة الدعوات.
***
سيد الذي تعرض للظلم لم يأخذ حقه كأديب وناقد أدبي من الطراز الأول، فُتحت له أهم المجلات الأدبية في عصره، وأبرز جمال اللغة العربية، كما أبرز إعجاز القرآن وعظمة آياته. وله شعر جميل أخذ طابعا وطنيا وإسلاميا وإنسانيا ولامس هموم الناس والمجتمع؛ وكتب في الوصف والحنين والتأمل والرثاء والتمرد والثورة وفلسطين..
***
من ناحية ثانية، عبر سيد عن روح ثورية إسلامية ووطنية هائلة كانت حافزا وملهما لأبناء جيله ولمن بعده في مواجهة الساسة والمثقفين والعلماء الفاسدين والأنظمة الفاسدة والمستبدة. وأبرز الإسلام بروحه الحركية العملية التي ترفض الظلم وتنتصر للمظلوم وتنزع الشرعية عن الطغاة؛ ولذلك قدم بمقالاته “النارية” ورؤاه الفكرية بنية أساسية دافعة للثورة على الملكية في مصر، وغيرها من الثورات وحركات التغيير. وعدَّه ضباط ثورة يوليو ملهما لهم. وقبل الثورة بأربعة أيام (19/7/1952) كان عدد من ضباطها، بينهم عبد الناصر، يجتمعون في بيته لوضع ترتيباتها؛ وبعد نجاحها كان سيد هو الشخص المدني الوحيد الذي يحضر أحيانا اجتماعات مجلس قيادة الثورة.